طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114
الأفلام الإسبانية والتركية تتألق في الدورة التاسعة لمهرجان الفيلم المتوسطي القصير بطنجة
ملصق المهرجان
نتائج وجوائز
أسدل الستار مساء يوم السبت 8 أكتوبر2011 بقاعة سينما روكسي بطنجة على الدورة التاسعة لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي التي دامت فعالياتها ستة أيام عرض خلالها 54 فيلما من 20 بلدا متوسطيا. وقد أعلن رئيس لجنة التحكيم الناقد السينمائي المغربي ومدير تحرير مجلة سينماك محمد باكريم عن الأفلام المتوجة خلال هذه الدورة، بحيث نال الفيلم التركي "الدراجة" للمخرج سيهارت كارسلا الجائزة الكبرى للمهرجان فيما عادت جائزة لجنة التحكيم للفيلم المغربي "الطريق إلى الجنة" للمخرجة هدى بن يامينة، أما جائزة السيناريو ففاز بها الفيلم الإسباني "بلباس رسمي" للمخرجة إيرين زوي ألاميدا، ونال جائزة الإخراج المخرج البوسني جورج غريغوراكيس عن فيلمه "نقيض". وارتأت لجنة التحكيم أن تنوه بأداء ممثلين متميزين هما المغربي المقتدر محمد الخلفي عن دوره في فيلم "أمواج الزمن" لعلي بن جلون، والتونسية سندس بلحسن في فيلم "العيشا" لوليد الطايع، وتمنح تنويهين خاصين لكل من المخرجة الإسبانية كريستينا مولينو عن فيلمها "هل سترحل؟" وللمخرج اليوناني ديمتريس كانيولوبوليس عن فيلمه "وداعا أنستيس". وعلى العموم تظل الأفلام المتوجة رفقة بضع أفلام أخرى من بين أفضل ما عرض في المهرجان...
ريادة إسبانية..
لكن إذا كانت الأفلام المتميزة في الدورة الماضية هي الأفلام اليونانية متبوعة بالأفلام الإسبانية، فقد حافظت الأخيرة هذه السنة على تفوقها وريادتها في حوض المتوسط وانضافت إليها الأفلام التركية، فيما توارت اليونانية قليلا إلى الظل. وهكذا تميزت مرة أخرى في هذه الدورة الأفلام الإسبانية وأبانت عن مغايرتها لباقي الأفلام المعروضة ، ففي فيلم "بلباس رسمي" الفائز بجائزة السيناريو تناولت المخرجة إيرين ألاميدا موضوعا شائكا يمكن اعتباره من الطابوهات، إذ يحكي الفيلم عن طموح طفلة تبلغ من العمر ثمان سنوات لتصبح رجلا حينما تكبر، ونشوء علاقة غرامية بينها وبين صديقة لها بالقسم، وقد تميز هذا الفيلم بكسره للطابوهات وتناوله لموضوع "الليسبيانيزم" أو المغايرة الجنسية عند الأنثى منذ الصغر. فيلم إسباني آخر هو "السباق الكبير" لكوطي كاماتشو، تحضر فيه المؤثرات الخاصة بقوة قصد إيصال الإيهام بأن الأحداث وتصويرها حدثت في العشرينيات أثناء السينما الصامتة مع لمسة كوميدية سوداء وعبثية واضحة. وينتهج الفيلم الإسباني الآخر "الموكب" لمارينا سيرسكي، الذي تدور أحداثه كلها داخل مقبرة، أيضا الكوميديا السوداء الخفيفة لحكي قصة حب غريبة بين عامل داخل المقبر يقوم بدفن الأموات وبين سيدة تزور قبر زوجها المتوفى. أما فيلم "نظام الأشياء" للأخوين سيزار وخوسي إيسطيبان أليندا، فيمكن المجازفة بالقول أنه من بين أفضل ماعرض بهذه الدورة..فهو فيلم مليئ بالإستعارات والرموز (حزام السروال و المغسلة..) وقد حاول فيه مخرجه إلتقاط سر الحكاية بطريقة مختلفة عن السائد لسرد نفس الحكاية السائدة..فيلم يتناول العنف الأسري ضد الزوجة دون أن يرينا سوى نتائج هذا العنف على جسدها وحالتها النفسية هي التي تظل - في جو سوريالي يسود كل لحظات الفيلم - غاطسة في المغسلة عارية إلا مما تبقى لديها من مقاومة وكبرياء مهزوم..وفي آخر مشهد بهذا الفيلم السوريالي الجميل تجد "اللابطلة" أخيرا خلاصها في بحر واسع ورحب ورحيم وقد تخلصت أخيرا من همجية ورابطة زوجها المرموز إليها بالحزام وقد وصل مركبها/مغسلتها إلى بر الأمان متخلصة من سلطة رجولية وباطريركية غاشمة. الأفلام التركية..لمسة إنسانية مميزة
نفس ما قيل عن الأفلام الإسبانية ينطبق على الأفلام التركية المشاركة في المسابقة الرسمية مع لمسة إنسانية خاصة بهذه الأخيرة تميزها عن باقي الأفلام القصيرة للبحر المتوسط، وشبه غياب لأي ادعاء شكلاني مبالغ فيه أو أي طموح فني زائد، لكن ذلك الحس الإنساني الكامن في ثنايا الفكرة والموضوع المطروق ينسينا ما يمكن أن نعتبره نوعا من الضعف الشكلي أو الإغفال المتعمد لهذا الجانب من طرف المخرجين الأتراك. ففيلم "رحلة بلا عودة" ل كوكلو يامان الذي يعالج موضوع نفي وإرجاع المهاجرين السريين إلى بلدهم الأصلي من خلال قصة شاب سوداني تتم محاولة إرجاعه من ألمانيا إلى بلده بالقوة فيعاند ويصارع حد الموت في غياب أي مساندة أو تعاطف بل أمام لامبالات قاتلة إلا من قلة قليلة تتعاطف بعد أن يكون الأوان قد فات. الفيلم التركي الآخر "المنزل على التلة" لحمدي ميلي إريلماز يجعلنا نتابع ونتماهى مع حكاية زوجة فقيرة يموت زوجها فلا تستطيع دفنه لقلة ذات اليد ولتخاذل الموظفين الحكوميين والمسؤولين عن أداء واجبهم لتضيق بها الأرض اليابسة فتدفن زوجها ونفسها معه في بحر الله الواسع بعد أن تترك طفلتها الصغيرة تواجه المجهول القادم وحيدة دون حماية أو معيل. لكن ربما يختلف الفيلم التركي الآخر "الدراجة" ل إ. سرحات كراسلان عن سابقيه في طموحه الشكلي الغير المبالغ فيه على أية حال، مع تقاسمه لذلك الجانب الإنساني الذي طبع أفلام هذا البلد، فقد تميز هذا الفيلم المتوج خلال هذه التظاهرة بالجائزة الكبرى للمهرجان بكونه ينتمي إلى صنف السينما الخالصة وبخلوه من الحوار واعتماده على الصورة فقط لإيصال حكاية تمتح عمقها الإنساني من بساطتها ومحليتها رغم احتمال وقوعها في أي مكان أو بلد آخر غير تركيا الناهضة اقتصاديا.
إحالات على تجارب سينمائية عالمية
بضع أفلام أخرى حضرت فيها تأثيرات وإحالات على سينمات وتجارب سينمائية عالمية رائدة، فالفيلم الفرنسي "نار أورفوس" لجان سانجيرمان يذكرنا بأفلام المخرج الفرنسي ألان ريني الأولى في الستينيات خصوصا فيلم "العام الماضي في مارينباد"، بطريقة حكيه التي يختلط فيها السرد الأدبي بالسينمائي وبحضور ذلك العالم الغرائبي الذي يسوده الغموض وكأننا في عالم غير العالم، وللحضور القوي للنص الأدبي والفلسفي، رغم ذلك الضعف البادي للعيان في أداء الممثلين. الفيلم الكرواتي "إعادة التصنيع" نجد به أيضا تأثرا أو إحالة على سينما المخرج البوسني المقتدر أمير كوستاريكا ، وربما هي تحية من مخرج هذا الفيلم برانكو إستفانشيك لسينما هذا المخرج الكبير والمتميز بأسلوبه الخاص، وذلك بمتابعته للحظات من حياة الغجر ملتجأ إلى جماليات القبح كأسلوب بتصويره للقطات معبرة وشاعرية في أماكن قذرة كالمزبلة وبمصنع لأعادة تصنيع الأزبال...
فيلم متميز
الفيلم الإيطالي "مسارات مرئية" للوك والبوط يحكي قصة رجل مسن يعود إلى زيارة أماكن مر بها في فترة شبابه قصد البحث عن حب ضائع...يتخذ الحكي في هذا الفيلم مسارا دائريا يوحي باستمراره وتكراره إلى ما لا نهاية على نفس النسق، ليختم في النهاية بنفس اللقطات التي بدأ بها ونفس كلام السارد الذي هو نفسه الشخصية الرئيسة التي لم يعد يهمه سوى الحكي في حد ذاته..إذ حتى حينما نظن أنه قد عثر أخيرا على الحبيبة التي كان يبحث عنها، يتركها ليعود أدراجه مفضلا مساره الدائري السيزيفي .
البحر في الأفلام المتوسطية القصيرة
يحضر البحر في الأفلام المتوسطية القصيرة المشاركة في هذه الدورة بقوة كسبيل للخلاص و بحمولاته الدلالية والرمزية المتعددة التفسيرات. فإليه تلتجأ الزوجة المتوفى زوجها في الفيلم التركي "المنزل على التلة" لحمدي ميلي إريلماز، بعد فشلها في دفن زوجها وإعالة إبنتها، مفضلة رمي نفسها في يمه حيث تجد خلاصها الوحيد. وبالبحر يبدأ وينتهي الفيلم الألباني "ماء متحجر" حيث يصبح وحده (البحر) قادرا على احتضان واستيعاب عمق وحميمية علاقة أب بابنه ثم بعد وفاة الأب علاقة الإبن بزوجة الأب. يحضر البحر بقوة أيضا في الفيلم المغربي "أمواج الزمن" لعلي بن جلون إبن المخرج حسن بن جلون، فمنه تنبعث خيالات وهواجس وذكريات الشخصية الرئيسية، التي أداها باقتدار الممثل المغربي محمد الخلفي، لتصير"واقعا" آخر مواز ومعوض للواقع الفعلي. فيلمان آخران عرضا في اليوم الأخير من المسابقة الرسمية وظف بهما الفضاء البحري كوسية للتنفيس أو الخلاص النفسي. ففي فيلم التونسي "العيشا" لوليد الطايع تتخيل البطلة نفسها ترقص على شاطئ البحر في لحظة انطلاق بعيدة عن قسوة الواقع الذي يجعلها تنسحق داخل أتونه. أما الفيلم الإسباني السوريالي الجميل "نظام الأشياء" للأخوين إسطيبان وخوسي أليندا فنرى البطلة (أو اللابطلة على الأصح) وقد وجدت خلاصها أخيرا من همجية ورابطة زوجها المرموز إليها بالحزام وهي في بحر رحيم كأنه رحم الأم الأول، لتخرج منه إلى بر آمن من كل سلطة رجولية وباطريركية.